الاستعداد للرحلة
كلُّ رحلة تتطلَّب إعدادًا كبيرًا أو صغيرًا لها، فإذا كانت هذه الرحلة إلى منطقتين كحرم مكة والمدينة بنية أداء عبادة الحج، فإنَّ الإعداد لهذه الرحلة له أهمية كبيرة ومعاني خاصة.
يبدأ المؤمن بالاستعداد لزيارة بيت الله عز وجل استجابة لدعوة الله ورسوله، فهو أثناء استعداداته المادية كاللباس والمواد اللازمة للرحلة، لا يُهمل أيضًا "زاده من التقوى". قال الله تعالى: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) سورة البقرة، الآية: 197. فالتزود بالتقوى يعني التوجه للحج بنية خالصة لنيل رضى الله عزَّ وجلَّ ومحبَّته، مع التخلُّص من جميع الشوائب والسلوكيات والأفكار السيئة تجاه الله تعالى.
ومِن المهم أيضًا أن نتذكر أن من أهم الخطوات في التحضير للحج هي بذل الجهد في التزود بالمعرفة والمشاعر والفضائل التي تُعطي تلك العبادة حقَّها أثناء أدائها. ويعطي الحاج لنفسه قبل الانطلاق لرحلة الحج وقتًا كافيًا يسعى فيه للتعرف على عبادات الحج وكيفية أدائها وأحكامها آدابها وحياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فهذه الرحلة هي فرصة مهمة للحاج بأن يراجع نفسه وأن يتوب من جميع ذنوبه وأخطائه توبة صادقة لله عز وجل أثناء أداء تلك العبادة.
وفي هذا السياق ينبغي إعادة النظر في العلاقات مع الأسرة والأقارب والجيران والأصدقاء، وينبغي أيضًا تعويض جميع الحقوق المادية والمعنوية، ودفع الديون والحرص على عدم الخروج إلى الحج إلا بعد طلب المسامحة. لأنه " قد لا يصل القاصد وإن وصل قد لا يعود"، وما أجملها من وصية تُعبِّر عن أهمية طلب المسامحة والتحلل وكفِّ العداوات وإعطاء مُستحقات العباد قبل السفر. وقد أشار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى أهمية التحلل من جميع المظالم والحقوق بقوله: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" (البخاري، المظالم، 10، الرقاق، 48).
14