العصمة
والصفة الأخرى التي يجب توافرها في الأنبياء هي عدم وقوعهم في الخطأ وارتكاب المعاصي. فالله قد حفظ أنبياءه ورسله من الوقوع في الذنوب والمعاصي، وارتكاب المنكرات والمحرمات سرا وعلانية كي يكونوا للناس إماما وقدوة حسنة. فالأنبياء كلهم لم يرتكبوا أي ذنب في حياتهم يمكن أن يوصف بالشرك أو الكفر كما أنهم لم يرتكبوا أي ذنب عمدا بعد بعثتهم. لهذا لم نر أحدا قد اتهم أي نبي سواء أكان قبل البعثة أو بعدها بالشرك أو بالكفر بالله أو الكذب على الله.
وهناك بعض الآيات في القرآن الكريم التي تتحدث عن عصمة الله الأنبياء من الوقوع في المعصية وارتكاب الذنوب وأن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظهم ورعايتهم ففي سورة الأنبياء قال تعالى:"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴿٧٣﴾" (سورة الأنبياء، 21/ 73)
فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أنهم عاشوا بين أقوام نسوا شرع الله ودينه وعاثوا في الأرض فسادا وفسدت أخلاقهم وأصبحوا بلا دين إلا أن الله قد حفظهم من تلك المعاصي والخبائث كلها فحافظوا على الصدق والأمانة والاستقامة والأخلاق الحميدة. فتجنّبوا كل المنكرات والرذائل التي من شأنها الإضرار بمكانتهم وتلطيخهم وتقليل قيمهم في المجتمع، وحافظوا على أخلاقهم وفضائلهم حتى أصبحوا شامة بين قومهم وأصبحوا مثالا للأخلاق الحميدة والفاضلة وقدوة يحتذى بها. فالله سبحانه وتعالى قد عصم أنبياءه من الوقوع في الكبائر مثل التعدي على حقوق الآخرين والفحش والتفحش والزنا والسرقة والكبر وفساد القلب وغصب المال وأكله وكل ما يُشعِر بالخسَّة ويحط من أقدارهم بين أقوامهم سواء أكان قبل البعثة أم بعدها. إذن فصفة العصمة لها دور مهم في تحويل وتشكيل المجتمعات وفقًا لإرادة الله.
ومن هنا نرى أن العصمة هي لطف من الله ورحمة بأنبيائه والله هو من عصمهم عن الوقوع في الأخطاء والذنوب. والعصمة لا تثبت إلا للأنبياء، أما غيرهم من البشر فالخطأ في حقهم جائز، عَظُم هذا الخطأ أم صغر. إن العصمة صفة خاصة بأنبياء الله فقط. فالأنبياء يطيعون أوامر الله ولا يعصونه ولا يتجاوزون حدوده أبدا ولم ينتهكوا حرماته. ولكن بسبب طبيعتهم البشرية ارتكب الأنبياء بعض الأخطاء البسيطة، والتي يطلق عليها اسم "الزلة" وهي الخطأ بدون قصد. ولكن ما كانوا يفعلونه من هذه الزلات إلا والوحي من الله ينزل عليهم مباشرة كي يصحح لهم زلاتهم.
19