تأسيس مكة وبناء الكعبة
كان يعيش في القرن العشرين أو الثاني والعشرين ما قبل الميلاد في أرض فلسطين، نبي الله إبراهيم عليه السلام. فقد استجاب لأمر الله أثناء رحلته إلى مكة. عندما ترك زوجته هاجر مع طفلها الرضيع إسماعيل عليه السلام بالقرب من المكان الذي سيتم فيه بناء الكعبة. وفي تلك الأيام كانت هذه المنطقة جرداء لا يعيش فيها أحد من الناس. قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) سورة إبراهيم، الآية: 35-37. وقال الله تعالى في موضع آخر: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) سورة البقرة، الآية: 126.
نادت هاجر إبراهيم عليه السلام مرَّات عديدة بقولها: "يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟" وهي التي كانت مع القليل من الماء والتمر في صحراء مهجورة وفي حضنها ذلك الطفل الصغير. لم يلتفت إبراهيم عليه السلام إليها. وفي النهاية سألته بقولها" هل الله أمرك بهذا، فأجابها نعم، فقالت: إذن هو لن يضيعنا، وامتثلت هاجر لأمر الله تعالى.
بعد فترة من ذهاب إبراهيم نفد الماء عند هاجر، فقامت تسعى بين الصفا والمروة، وكانت كلما سعت بين الصفا والمروة نظرت من حولها علَّها ترى أحدًا لكنها لم تجد، وكرَّرت ذلك سبعة أشواط، ولكن بدون جدوى. ولما يئست سمعت صوتًا، وكأنَّه صوت يطلب المساعدة، كان ملكاً من السماء يحفر الأرض بعقبيه إلى أن ظهرت الماء وهي ماء زمزم. فقام إسماعيل يشرب من الماء وقامت هاجر تجمع الماء بيديها مخافة أن يذهب، إلى أن سمعت الملك يقول: "لا تخافوا، هذا هو موضع بيت الله الذي سيبنيه هذا الغلام مع أبيه، لن يضيع الله عائلة إبراهيم".
أعطى ماء زمزم ذلك المكان حيوية، وبعد فترة وجيزة جاءت مجموعة من قبيلة جُرْهُم واستقرت بجوار مكة، وتزوَّج إسماعيل عليه السلام بفتاة من تلك القبيلة إلى أن مرَّت السنين وجاء إبراهيم عليه السلام إلى مكة من جديد، وأخبر ابنه إسماعيل عليه السلام بأنَّ الله أمره ببناء الكعبة كما ورد ذلك في صحيح البخاري (باب الأنبياء،9).
بدأ إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة، وعملا معًا على رفع أساس الكعبة المشرفة. قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) سورة البقرة، الآية: 127.
2