تفكك الأسرة: أمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف

يمكن في بعض الحالات أن يتم فسخ العقد وتفكك الأسرة التي كانت الآمال الكبيرة معقودة على استمرارها. فالطلاق الذي يعني تفكك وتفرق الأسرة، له أثر كبير على الفرد مثلما له أثر على المجتمع ككل أيضا. ولكن على الرغم من أن فترة الطلاق وتفكك الأسرة هي فترة سلبياتها كثيرة جدا إلا أنه يجب إدارة هذه الفترة بشكل دقيق وصحيح. فديننا كما كان له أوامر ونواهٍ في تكوين هذه الأسرة فإن له العديد من الأوامر والنواهي في حالة فسخ الزواج أيضا. 
ديننا الإسلام مثلما راعى طبيعة الإنسان وفطرته في الأوامر والنواهي والمحرمات التي فرضها عليه كذلك راعى هذه الطبيعة والفطرة الإنسانية في الأسرة وحقوقها ومسؤوليتها. لهذا فقد سمح بفسخ النكاح، فالطلاق في شريعتنا حلال. بينما الطلاق في الديانة المسيحية عند كنيسة الكاثوليك حرام، ولكن هذا الأمر مخالف للفطرة ومتعارض معها. ومن هنا نرى أن موقف الإسلام من الطلاق هو أكثر ملائمة لطبيعة الإنسان وفطرته كما أنه أكثر ملائمة للحياة الاجتماعية. لكن مع ذلك لم ير الإسلام الطلاقَ حلا مناسبا إن لم يكن هناك خلافات حقيقة وجدية بشكل لا تمكن معه الإكمال والاستمرار بين الزوجين. وإلا فإن الطلاق في الإسلام مذموم إن كان بدون سبب حقيقي، فإن كان هناك سبب مقنع وحقيقي فيرى الإسلام الطلاق حلالا. فرسولنا الكريم قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" (سنن أبي داود، كتاب الطلاق،3؛ ابن ماجه، كتاب الطلاق،1) من قوله عليه الصلاة والسلام نرى أهمية الزواج والمحافظة عليه وعلى الأسرة في المجتمع الإسلامي. وقد قدم القرآن الكريم الكثير من النصائح للمحافظة على الأسرة والحفاظ على الزواج واستمراره دون أي خلاف أو نزاع أو شقاق. وقد قدم القرآن النصائح لكل من الزوج والزوجة كل على حدة، فقال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴿١٩﴾ (سورة النساء،4/ 19)، "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿١٢٨﴾ (سورة النساء، 4/ 128)
إن القرآن نصح الأزواج بأن يتعاملوا بإحسان ولكن في حال الخلاف والنزاع وعند الوصول إلى حالة من النزاع لا يمكنهما حل ما بينهما من مشاكل بأنفسهما نصحهما بالصلح عوضا عن الطلاق. فالطلاق هو آخر حل للنزاع والخلاف بين الزوجين فقال تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴿٣٥﴾ (سورة النساء، 4/ 35) ويجب أن يكون الحُكّام الذين سيحكمون بين الزوجين ممن يرضى بهم الزوج والزوجة. وفي حالة عدم وجود شخص يُرضِي الطرفين ليكون حكما بينهما حينها تتم الاستعانة بأخصائي الزواج والعلاقات الزوجية وهم بدورهم يقومون بأداء هذه المهمة. لكن يجب الانتباه هنا على نقطة مهمة في اختيار الحُكّام ألا وهي كون الحُكّام على دراية جيدة كما يجب أن يكونوا من ديانة كلا الزوجين نفسها. وفي حال فشلت كل محاولات الصلح بين الزوجين ولم تُجْدِ نفعا حينها يأذن الدين الإسلامي بالطلاق ويراه مباحا. كما أن الإسلام قد وضع العديد من الآداب والسلوكيات التي يجب أن تتبع في الطلاق وما بعد فترة الطلاق. 
حتى وإن كان قرار الطلاق قد تم اتخاذه بالتراضي بين الزوجين إلا أن هذا لا يعني أن الخلاف أو عدم التوافق بعد الطلاق لا يمكن حدوثه. لهذا يجب تسريح النساء بإحسان والمحافظة على حقوقهن وألا تضار النساء بحقوقهن كما تجب المحافظة على النسب. ومن هذا تجب مراعاة حال الزوجة إن كانت حاملا أو في انتظار فترة العدة بعد الطلاق. وهذه بعض المبادئ والأصول التي تؤخذ بعين الاعتبار لحفظ النسب. وقد أمر الله الرجال بحفظ حقوق الزوجات بعد الطلاق فقال تعالى: "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٢٣١﴾ (سورة البقرة، 2/ 231)  
لا يجب أن تُنسى حقوق العباد التي تتجلى كأعظم شيء في الزواج والنكاح وبعد الطلاق؛ بل لا بد أن يستمر حفظ حقوق الزوجين بعد فسخ عقد الزواج أيضا. لذا يجب على كلا الزوجين اجتناب الإضرار بحقوق بعضهما وعدم إلحاق الضرر بأي منهما سواء أكان ضررا معنويا أو ماديا، وخاصة إذا كان هناك أطفال بينهما، فيجب الاهتمام بتربيتهم وتعليمهم ويجب أن لا ينسيا مهامهما كأم وأب وإن كان بعد الطلاق. 
لقد قام الدين الإسلامي بتقديم مبادئ وقيم لتكوين الأسرة في المجتمع المسلم منذ ظهوره. فالعائلة تنشأ لكي يجتمع الذكر والأنثى ولينالا الطمأنينة والسكينة الروحية والمودة بينهما ولكي يكمل بعضهم بعضا. فعقد النكاح هو عقد متين يساعد الذكر والأنثى على إنشاء بيت جديد وإنجاب أطفال لتربيتهم وتنشئتهم على أفضل وجه. وعقد النكاح هذا بالإضافة إلى الحقوق والمسؤوليات التي يفرضها على الزوجين، هناك بعض الواجبات والحقوق المعنوية والجسدية التي يلقيها على عاتق الزوجين. فمن بين هذه الحقوق والواجبات المعنوية هي التعامل بطيب وإحسان مع أقرباء الزوج أو الزوجة، وتربية الأطفال في جو يسود فيه الحب والرحمة والود. فديننا يُحمّل الزوجين كل هذه المسؤوليات والواجبات بهدف تحويل العائلة إلى ملجأ يجد فيه الشخص السكينة والراحة النفسية مع زوجه وأهله. فالأسرة بقدر ما هي مصدر للراحة والطمأنينة على مستوى الأفراد بقدر ما هي مصدر طاقة أيضا على مستوى المجتمع ككل. وهي تلعب دورا مهما في تشكيل هذا المجتمع من خلال الأطفال الذين تقوم بتربيتهم، فهؤلاء الأطفال هم الذين يعطون المجتمع شكله من خلال ما يتحلون به من قيم ومبادئ وأخلاق. فالأسرة هي التي تحافظ على وحدة المجتمع وهي الحجر الأساس في إنشاء الحضارة لأي مجتمع. لهذا فإن ديننا وضع العديد من المبادئ والأصول حتى في حال تفرق هذه الأسرة، وكل ذلك بهدف حفظ حقوق الأشخاص والمحافظة على النسب واستمراره على أكمل وجه.
 

11