لِـمَاذا كانَ الشِّرْكُ أعظَمَ الذُّنوبِ؟
الشِّرك اِعتِداءٌ مُباشَرٌ عَلى حَقِّ اللهِ تَعالى، كما أنّه يَتحقّق ضِمنَ أَشْكالٍ مُختلفة، مِنها أنْ يُشرَكَ في ذاتِه تَعالى، وأنْ يُعتَقَدَ بأنّ له شَبيهًا ومُساويًا ومُعينًا ومُنافِسًا، وهذا ما يُسمّى بالشّرك الأكْبر. فَعَلَى سَبيلِ الـمِثال، الـمَسيحيّون، اِبتِداءً هُم يُؤمِنون بأنّ الله تعالى واحدٌ، وهذا يَعني أنهم يُؤمِنون بوحدانية الله، ولكنّهم مع الزّمن أسندوا بعضَ صِفاتِه إلى مَخلوقاتٍ أُخرى، إلى درجة تَأْلِيهِ سَيّدنا عِيسى علَيه السَّلامُ، وتحدّثوا عن مَوجودات إلهية تتمثّل بالأب والابن وروح القُدس.
والـمُبالَغة في تقديس وتعظيم النّاس شكلٌ مِن أشكال الشّرك، فالنّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يَكُنْ يرضى أنْ يُبالَغَ في تَبْجِيلِه، وبخصوص هذا الأمر قال: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُهُ.» (البُخاري، كِتاب أحاديث الأنبياء، 48)
إن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم وضَعَ لَنا ميزانًا على النّحو التّالي: إذا كان الأنبياءُ أعلى النّاسِ دَرَجةً ولا أحَدَ يَرْقَى إلَيهم منزِلةً ومع ذلكَ لا يَجوز أنْ يُعْطَوا مَقًامًا فوقَ مَقامِ البَشَر فَلا بُدّ إذَنْ مِن الابْتعادِ عَنِ السُّلوكِ الّذي فيه تَعْظيمٌ لِغَيْرِهم مِن النّاسِ. فالتّقديس والتّعظيمُ الّذي يَجب إظهارُه لله لا يَجوز أنْ يَقومَ أحدٌ بإظْهاره لِغَيرِ الله، وهذا يَزيد الارتباطَ بالتّوحيد ويُكسِبُ الإنسانَ مَزيًدا مِن الاعْتِبارِ والعِزَّة، ويحفظُه كذلك مِن أنْ يكون مُبتَذلًا وعَبدًا عند الآخَرين مِن العَبيد.
ونحن الـمُسلمين نَتَحكّمُ دائمًا بِمَشاعِرِنا وأفْكارِنا وسُلُوكِنا فيما يتعلق بهذه الـمَواضيع، ونَستَمِرُّ على المواقف الـمتزن تُجاه الأضْرِحة والْـمَراقِد كَما كُنّا على ذلك أثناء حياة أصحابها، ونقوم بِزيارتـهم للاعْتِبار مِن الحياة التّي عاشُوها، ولا نَقوم أبدًا بالتّوَسُّلِ والتَّضَرُّعِ إليهم مُنتَظِرين مِنهم أيَّ شيء؛ لأنّنا لا نَعرِضُ حاجاتِنا ومَطالِبَنا إلا عَلى الله تعالى.
إنّ الـمُسلِمين يعتَقِدون بعِصْمةَ الإنبياءِ دونَ غيرهم، ولذلك مهما ظنوا التَقوى والصّلاح في أحد المسلمين وتكون أخْلاقه وشخصيته مِثالًا لهم في حَياتِهم يَستَفيدون مِنها، فلا يعتقدون العِصْمة فيه وأنّه لا يرتَكِبُ الذُّنوبَ، وأنّه ضامِنٌ لِنَجاتِه يَوْمَ القِيامة، بلْ نؤمِن بأنّه لا يُوجَد أحَدٌ يعرِفُ عبادَ الله حقّ الـمَعرِفةِ إلا الله تعالى.
والْـمُؤمنُ لا يضَعُ نفسَه في مَوقف مُبالَغٍ فيه في تَعْظيم شَخْصٍ يَحتَرِمُه، ولا يَرى أفكارَه وأحوالَه وحركاتِه مَحفوظة عن أنْ يُصيبَها الخَطأ، ولا يَنْظُرُ إليهِ على أنّهُ مِن النّاجِين في الدّنيا والآخِرة وعليه بحيث لا يحقّ لأحَدٍ أنْ يَعتَرِضَ علَيْهِ.
11