نقاء القلب

إن الله سبحانه وتعالى يقول:"وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿١﴾وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴿٢﴾وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴿٣﴾وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴿٤﴾وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴿٥﴾وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴿٦﴾وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿٨﴾قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴿٩﴾وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴿١٠﴾" (سورة الشمس، 91/ 1-10)
إن ما يشكل شخصية الإنسان في الأصل وله أثر على تصرفاته وأفعاله هو مشاعره و أفكاره فهي باختصار عالمه الداخلي ونفسيته. وإذا نظرنا إلى الأخلاق بشكل عام وحسن الخلق على وجه الخصوص نرى أن تصرفات الإنسان تكمن وراءها إرادة الإنسان. وهذه الإرادة هي التي لها أثر في شكل الأخلاق إن كانت سيئة أو حسنة.
ورسولنا الكريم يقول :"ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ." (صحيح البخاري، كتاب الإيمان، 39؛ صحيح مسلم، كتاب المساقاة، 107) والقصد من هذا هو التنويه إلى أهمية القلب. والحقيقة التي تقول"من سَلِمَتْ سريرته سلمت علانيته" تُبيّن لنا مقدرة وأهمية صلاح الإنسان من الداخل كي يصلح حاله في الخارج وباختصار إن الباطن له أثر على الظاهر من أفعال البشر فالوجه مرآة للقلب.  ورسولنا الكريم يقول:"مَن سرَّتهُ حسنتُهُ وساءتْهُ سَيِّئتُهُ فذلِكم المؤمنُ"(مسند أحمد، ج 4، 399) وهذا الحديث يبين لنا أهمية القلب الصالح لدى الإنسان.

لهذا لا ينبغي لمؤمن أن يقول في نفسه  لا أحد يعلم بما أفكر فيه وبما توسوس لي نفسي فيغرق نفسه بأفكار وتخيلات غير لائقة أخلاقيا. فالمؤمن لا يغفل و لا ينسى أن الله يعلم ما توسوس له نفسه. وليعلم أن ما يخفيه من مشاعر الكراهية أو البغض أوالحقد والحسد، ستظهر للعيان وستبدو بكل وضوح على تصرفاته و أفعاله. وليعلم بالمقابل أن ما يغذيه المرء في نفسه من مشاعر وأفكار حسنة سيساعده على إصلاح ذاته وسيكون سببا لسلامة سريرته و علانيته. فكل ما يقوم به العبد من عمل صالح وعمل سيء له تأثير كبير على قلبه وما يُبيّته من نية. فرسولنا الكريم يقول:" إنما الأعمال بالنيات.."(صحيح البخاري، بدء الوحي، 1) وهذا الحديث يبين لنا أهمية النية و ما يبيته الإنسان من نوايا حسنة كانت أو سيئة. والذي يؤكد هذا هو أن المؤمن إن نوى في قرارة نفسه أن يعمل عملا صالحا وهو عازم عليه إلا أن هناك أمرا ما حال بينه وبين القيام بهذا العمل فإن الله سبحانه وتعالى سيُثيبه على نبيته الصالحة. والأمر مثله لمن قام بعمل صالح ولكنه قام بهذا رياء وفخرا. فإن قام شخص ما بأعمال صالحة تبدو من الظاهر بأنها حسنة طيبة مثل إقامة الصلاة والصيام أو مساعدة الفقراء والمساكين ولكن نيته لم تكن لوجه الله وإرضاءً له سبحانه؛ بل كانت رياء للناس و لكي يثير إعجابهم بما يقوم به فإن كل ما قام به من أعمال لا قيمة لها عند الله و لا يثاب عليها بل تذهب هباء منثورا. 
والله تعالى يقول:" يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٩﴾" (سورة الشعراء 26/ 88-89) وهذا أكبر دليل على أن نقاء القلب وسلامته من الرياء أمر في غاية الأهمية عند الله. لهذا يجب على المؤمنين أن يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ويتصرفون وهم يعلمون أنه "إنما المؤمنون إخوة" فهذا يجعلهم أكثر قدرة على التعامل فيما بينهم بإخلاص وأمانة وصدق ومحبة وتعاون أكبر وهذا ما يدفعهم أيضا إلى الإفشاء عن ما يعايشونه من مشاكل فيتساعدون في حلها ويجب عليهم أن يفعلوا كل ما بوسعهم كي يحسنوا الظن في بعضهم وأن يتعاملوا بصدر رحب وأن يتكلموا بطيب الكلام وأن يجتنبوا ظن السوء والظنون الخبيثة. وباختصار يجب على كل مسلم أن يراقب أفكاره و ما يشعر به تجاه أخيه المسلم. 
"إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إلى صُوَرِكم وأموالِكم، ولكِنْ يَنظُرُ إلى قُلوبِكم وأعمالِكم" (صحيح مسلم، كتاب البِر، 34) وهذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد على أهمية القلب وسلامة نيته في الإسلام. ويجب أن لا ننسى أنه:"إِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ"(سنن النسائي، كتاب الجهاد، 24)

8