الإنسان محتاج إلى الوحي
خلق الله الكون وخلق في هذا الكون الإنسانَ كأكرم مخلوق فيه. وأنعم عليه بنعم عديدة لا مثيل لها عند غيره من الكائنات الأخرى وأول هذه النعم هي نعمة العقل ثم بنيته البيولوجية والنفسية. وبفضل هذه المزايا التي خصه الله بها كان سيد الكائنات.
وسخَّر الخلاق العظيم هذه الدنيا التي أسبغ على الإنسان فيها بنعم لا تعدّ ولا تحصى وأحسن إليه مكانا ليعيش ويستقر فيه. كما أنه أنعم عليه بنعمة العقل وملكة التعلم حتى يستفيد من كل ما سخره له من نِعَم. والإنسان بدوره استخدم هذه الملكة في استكشاف نفسه واستكشاف ما حوله من كائنات ومخلوقات وتكونت له معرفة ومعلومات عن ما حوله وعن نفسه.
فالإنسان يتفحص ما حوله من طبيعة وأحياء وجمادات ويراقبها، وكل هدفه من عمله هذا هو الحصول على معلومات عن هذه الكائنات كي يحاول الاستفادة منها ويستخدمها فيما ينفعه. ولكن مع كل ما توصل إليه الإنسان من معلومات ونتائج من خلال بحثه هذا لم يتمكن من الإجابة عن سؤال "لماذا" خُلِقَ الإنسان ووُجد الحياة وخلق الكون؟ كما أن هذه المعلومات لا تأخذ في الاعتبار مشكلة عيش الإنسان حياةً على أساس القيم الأخلاقية ووصوله إلى الفلاح الأبدي.
فإذا أردنا أن نتحدث بوضوح أكثر عن الحالة التي كان الإنسان فيها فإننا يمكننا أن نقول: إن الإنسان لم يكن ليتمكن من الوصول إلى معلومات حول الموضوعات التي تنطوي تحت ما يسمى بـ"الدين" بفضل أبحاثه ونظرته إلى ما حوله.
مثل مسألة ما هي ماهية الله؟
وما هي الغاية من خلق الإنسان؟
وهل هناك حياة أخرى بعد الموت؟
وما هي غاية هذه الحياة؟
وهل هناك حاجة لحياة أخلاقية، وما هي شروطها؟
وكيف يُعْبَد الله؟
ومثل هذه والكثير من الأسئلة لا يستطيع الإنسان أن يجيب عنها اعتمادا على إمكانياته ومعلوماته فحسب، فهو لا يمكنه أن يجد أجوبة لكل هذه الأسئلة إلا بواسطة الوحي.
في الأصل فإن الناس قد فكروا في مواضيع مثل: ما هو معنى هذه الحياة، وماهو الصحيح والخطأ والطيب والخبيث والحسن والقبيح ولكن النتائج التي كانوا يتوصلون إليها دائما ما كانت مختلفة بعضها عن بعض. فهم لم يَصِلوا إلى مجموعة من القيم المشتركة التي يجعلونها مبدأ الحياة.
إذن لماذا لا بد من الوحي؟ إن الله صاحب الأسماء الحسنى وكذلك له صفات ومن تلك الصفات صفة "الكلام". حيث إنه خاطب البشر. وإن العديد من الأنبياء الذين بعثوا طوال تاريخ البشرية هم خير دليل على هذا.
فإن الخلاق العليم قد سد جميع احتياجات الإنسان البيولوجية. وإذا كان الأمر كذالك -وهو كذلك- ؛ فهل يمكن للرب تعالى أن يترك العبد سُدى دون أن يبين له معنى الحق والحقيقة؟ وهل يمكن ألا يرشده إلى سبيل الصلاح والسعادة؟
وبدوره الإنسان الذي يرى نعم الله عليه بشتى أشكالها من المؤكد لا يرغب بأن يترك محروما من الحديث والخطاب مع خالقه أو التواصل معه. ومن هنا كان الوحي الطريقة المثلى لسد حاجة مثل هذه فلقد كان هذا الوحي نتيجة لرأفة الله وعطفه ورحمته.
ولهذا كان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم يرغبون بنزول الوحي على رسولنا رغبة شديدة كرغبة الطفل في حليب أمه. وكانوا يفرحون عندما تتنزل بعض الآيات على رسول الله ويستبشرون بها ويهنئ بعضهم بعضا. وعندما أكتمل القرآن وانتهت فترة الوحي ملأ الحزن قلوبهم وفاضت أعينهم بالدمع حزنا لانقطاعه.
1