الزبور
أنزل الله تبارك وتعالى كتاباً اسمه الزبور على داوود عليه السلام (سورة النساء، 163؛ سورة الإسراء، 55). ويعتقد علماء المسلمين بأن الزبور هو كلمات حمد وثناء ودعاء عُلِّم داوود عليه السلام إياها، وأنه كتاب حكمةٍ وموعظةٍ لا يحتوي على أية أحكامٍ عن الحلال والحرام أو الأوامر والنواهي.
ويذكر القرآن الكريم أن الجبال والطيور قد سُخرت لداوود عليه السلام وأنها كانت تُسبح معه (سورة سبأ، 10؛ سورة ص، 18-19؛ سورة الأنبياء، 79). وقد كان لداوود عليه السلام صوتٌ عذبٌ وجميلٌ للغاية. فكان كلما قرأ الزبور بصوته العذب وقفت الطيور والذئاب وأنصتت، ورددت الجبال صدى صوته.
قال الله تعالى في القرآن الكريم عن مضمون الزبور: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ» (سورة الأنبياء، 105). وبحسب الرأي الذي يُرجحه علماء المسلمين فإن المقصود بـ «الذكر» في الآية الكريمة هو التوراة، والمقصود بـ «الزبور» هو الكتاب الذي أُنزل على داوود عليه السلام. وهناك كلماتٌ شبيهةٌ بما ذُكر في الآية السابقة قد نصَّ عليها سفر المزامير الذي يُنسب معظمه إلى داوود في عُرف اليهود، حيث قيل: «الصِّدِّيقُونَ يَرِثُونَ الأَرْضَ وَيَسْكُنُونَهَا إِلَى الأَبَدِ» (سفر المزامير، 37/29). كما بإمكاننا أن نجد الكثير من التشابهات بين سفر المزامير والقرآن الكريم حول الخلق ونظام الكون وقدرة الله تعالى (انظر: سفر المزامير، 104).
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن الحكمة المشهورة التي ترويها المصادر الإسلامية والتي تقول: «رأس الحكمة مخافة الله» (البيهقي، شعب الإيمان، II، 201) قد وردت في سفر المزامير في قوله: «رَأْسُ الحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ» (سفر المزامير، 111/10؛ انظر أيضاً: سفر أيوب 28/28).
ورد سفر المزامير في قسم الأشعار من الكتاب المقدس لليهود، ويختص هذا السفر بكونه كتاب أدعيةٍ وحِكمٍ كما أنه كتابٌ منظومٌ يتألف من 150 مزموراً أو نشيداً. وقد بُيِّن من في بداية ثلثي هذه المزامير تعود لها المزامير، وبحسب هذا فإن 73 مزموراً قد نُسب لداوود عليه السلام. ولسفر المزامير مكانةٌ هامةٌ في الأدعية عند اليهود والنصارى، حيث يتضمن الكتاب مواعظ وأدعية وعبارات حمدٍ ورثاء ومناجاة وإيمان والتي تُنشدَ عادةً رفقة الموسيقى. ولكن هذه المزامير بشكلها الذي بين أيدينا اليوم تدلنا على أن النسبة بينها وبين الأشخاص الذين نُسبت إليهم مشكوك فيها، وأنها قد أُلِّفت وأُلحقت بالكتاب المقدس في فترة متأخرة. ولهذا السبب، فإن سفر المزامير الموجود في الكتاب المقدس هو النسخة المحرفة عن الكتاب الذي أُنزل على داوود عليه السلام أو النسخة التي أُلفت لاحقاً بدلاً منه. أما ما يجب على المسلمين أن يؤمنوا به فهو الزبور غير المحرف الذي أنزله الله تعالى على داوود عليه السلام.
8